محلي

الخطاب يتفوق على المعلومات في عصر الشائعات

بغداد-الصحفية

بقلم /الدكتور حسن بشير، عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام صادق (ع) و الخبير في مجال الإعلام والعلاقات الدولیة،

قد تختلف ظروف إنتاج وتوزيع الأخبار في كل زمان ومكان. هذه الاختلافات والتمييزات تُعد ضرورة إخبارية في عصر الخطاب، الذي تجاوز عصر المعلومات، يجب أن تكون الأخبار عاكسةً للخطاب الذي يمكن أن يكون أولاً متماسكًا وذا هيمنة متمیزة، وثانيًا، يمكن للقارئ أن يفك شفرتها ويربطها مع الخطابات الأخرى بسهولة. بناءً على ذلك، يمكن أن يتغير استهلاك الأخبار. اليوم، لم يعد كل خبر جذابًا للمشاهدين. الخبر الذي يمكن أن يجد الرابط المطلوب مع بعض الخطابات التي يوليها الجمهور اهتمامًا، يُشاهد ويُقرأ بشكل مناسب. في الظروف الحالية، يمكن أن يعكس الفضاء الخطابي السائد في كل وسيلة إعلامية طريقة تقديم الأخبار فيها، ولهذا نرى أن الكثير من الجمهور يبدأ في متابعة الأخبار بالتركيز أولًا على الخطاب السائد في تلك الوسيلة الإعلامية. ما يبدو هو أن ظهور الشبكات الاجتماعية الواسعة قد أدى إلى أن تكون القنوات والمجموعات الإخبارية التي قد حددت خطابها بشكل كبير للقُرّاء أكثر جذبًا من الأفراد القادرين على خلق تدفق إخباري. اما اهم المصادر الإخبارية التي شهدت نموًا ملحوظات واخرى شهدت تراجعًا كبيرًا

على الرغم من أنه في بعض الأحيان يتم استخدام خطابات أو أخبار منافسة لإظهار نوع من الحرية الخطابية، إلا أن الهيمنة الرئيسية تظل للخطاب السائد لذلك المصدر. في بعض الأحيان، يتم نشر خطابات وأخبار الآخرين من أجل خلق نوع من الفرقة والاختلاف. في هذا السياق، يمكن القول إنه إذا لم تكن هناك دعم ورعاية لبعض وسائل الإعلام والمصادر الإخبارية، فلن تتمكن الكثير منها من دخول الفضاء الخطابي للمجتمع وتثبيت مكانتها. ولذلك، رغم وجود بعض الدعم، فإن استهلاك الأخبار وخطابها في المجتمع يكون منخفضًا للغاية. في المستقبل، يمكن القول إن المصادر التي ستتمكن من التكيف مع احتياجات الخطاب المجتمعي، والتي تتأثر جزئيًا بالخطابات الإقليمية والعالمية، ستكون أكثر حضورًا وفاعلية.

كل وسيلة إعلامية لها مكانتها الخاصة على الرغم من أن استهلاك كل وسيلة إعلامية قد يختلف في المجتمع، إلا أن الوسائل المطبوعة، رغم أنها تُنشر عادة على الورق، إلا أنها بفضل وجودها الافتراضي على الإنترنت قد حصلت على إمكانيات جديدة لضمان استمرار وجودها. في الحقيقة، أصبحت الوسائل المطبوعة وسائل إعلام مكتوبة افتراضية، يمكنها أن تشارك بنشاط في الفضاء الرقمي إلى جانب الوسائل الإعلامية الرقمية الأخرى.

في الواقع أصبح الجمهور أكثر اهتمامًا بالخبر وعلاقته بالخطاب السائد في المجتمع بدلاً من اهتمامه بالمصدر ذاته. هنا نجد، على سبيل المثال، أن الأخبار المتعلقة بخطاب الزلزال او الحریق او الازمات الطبیعیة تحظى بجاذبية أكبر. هذه الجاذبية تكون عاملًا لجذب العديد من المشتغلين بالإعلام للمشاركة في المشهد. من الواضح أنه في هذا الفضاء الخطابي المتأجج، كل ما يُطرح يمكن أن يجد جمهورًا. الآن، إذا تمكنت وسائل الإعلام من استخدام السرعة والشفافية والشمولية والابتكار بشكل جيد فإنها ستكون قادرة على أن تحظى بحضور أكبر بين الجمهور، وهذا الحضور في تلك الحالة لا يتطلب النظر إلى المصدر.

بناءً على خصوصيات المجتمعات المختلفة ،

الصدق والشفافية هما مبدآن أساسيان في إنتاج الأخبار. السرعة والشمولية أمران أساسيان في نقل الأخبار. الأمانة والدقة في نقل الأخبار لهما أهمية كبيرة. هذه بعض المبادئ التي يجب أخذها في الاعتبار هذه المبادئ لم تتغير مع التغيرات التكنولوجية في وسائل الإعلام، بل قد ازدادت ضرورتها وأهميتها. يجب بناء الثقة الإخبارية بناءً على هذه المبادئ. في الواقع، لا يمكن خلق الثقة الإخبارية من خلال الأساليب المفتعلة؛ بل هي انعكاس لالتزام الوسيلة الإعلامية بالمبادئ الإخبارية الصحيحة. المجتمع يدرك هذه الأمور جيدًا، ولهذا نرى أحيانًا أنه يتحول من وسيلة إعلامية إلى أخرى.

سر انتشار الشائعات والأخبار غير الموثوقة بسرعة في فضاء الشبكات الاجتماعية وتوجه الناس إلى المصادر الإخبارية التي تبث الشائعات ربما بسبب التقدم التكنولوجي او لانها

تُنتج في فضاءٍ مسدودٍ خطابيًا وخارج إطار القواعد والمبادئ الإعلامية. إذا تم خلق فضاء خطابي واضح وشفاف، فلن يكون هناك مكان للشائعات. بالإضافة إلى ذلك، تُنتج الشائعات في فضاء معلوماتي مغلق، حيث لا يتم عرض الحقائق أو تُعرض بشكل غير مناسب أو لا تُلاحظ على الإطلاق، وتنمو وتنتشر. لذلك، يجب خلق فضاء مناسب.

إن توفير معلومات دقيقة وصحيحة وفي وقتها المناسب أمر بالغ الأهمية مع خلق الظروف المناسبة الخطابية والإعلامية، لن يكون هناك مكان للشائعات.

بدلاً من التفكير في التحديات الأمنية والاجتماعية، يجب أن نركز على خلق فضاء خطابي مناسب وتوفير الإعلام الصحيح. لا ينبغي أن نكون دائمًا في حالة انتظار حدوث المشكلة ثم البحث عن الحلول الأمنية والاجتماعية. الحل بسيط، رغم صعوبة تنفيذه. يمكن تعديل الوضع الحالي، ولا يجب أن نفقد الأمل. المشكلة هي أنه لا يزال هناك ضعف واضح فی الفهم و معرفة الوضع الحالي من قبل المسؤولين والعاملين في وسائل الإعلام والصحفيين لأهمية خلق الفضاء المناسب، ومادام هذا الفضاء غير موجود، سنظل دائمًا نواجه التحديات الأمنية والاجتماعية.

مصداقية المصدر تتعلق بكيفية أداء المصدر. إذا تمكن المصدر من اتباع المبادئ الإعلامية، فسيحظى بمصداقية عالية. ومع ذلك، في الظروف العالمية الحالية، وبالنظر إلى توسع الشبكات الاجتماعية، ظهرت سمات جديدة تتعلق بالمصدر وأهمية المصداقية. أهمية من يستطيع التنسيق مع الخطاب السائد أو من يستطيع تشكيل خطاب خاص به أصبحت أكثر بروزًا في بعض الأحيان مقارنة بالمبادئ الإعلامية الأخرى. هذه الوضعية موجودة في جميع أنحاء العالم، وليست محصورة في قطر خاص. هذا تيار عالمي يؤثر في الجمهور، ولهذا السبب قد تتأثر توجهات وسائل الإعلام بهذا الفضاء الجديد العالمي.

إن التزام الصحفيين والإعلاميين يعتمد على درجة الانفتاح في الفضاء الخطابي والإعلامي. إذا لم يتم خلق هذا الفضاء، فمن الطبيعي أن يكون هناك نوع من الرقابة الذاتية. ما زلنا في فضاء خالي من تأثير القوى المختلفة. هذه الحالة تؤثر بشكل كبير على جمع الأخبار ونشرها، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نلاحظ أنه في أغلب الأحيان لا يُخلق الفضاء الإخباري الحر الذي يمكن أن يغذي الجمهور وفي نفس الوقت يساهم في بناء الثقة في الوسيلة الإعلامية المعنية.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى