کیف یتم تمزیق ستار الوهم الاعلامي في الرأی العام؟”
![](https://alsahafea-agency.iq/wp-content/uploads/2025/01/IMG-20250114-WA0016-780x470.jpg)
بغداد-الصحفية
بقلم/ الدکتور حسن بشیر
استاذ جامعة الامام الصادق (ع) و خبیر في الشؤون الاعلامیة و العلاقات الدولیة
إن بناء الرأي العام عملية معقدة لا تحدث بين عشية وضحاها. وتتأثر هذه العملية بالعوامل الفردية والاجتماعية والإقليمية والعالمية. يسعى بناء الرأي العام أو التأثير عليه إلى عدة أهداف، لكن النتيجة النهائية هي خلق اعتقاد عام وإقناع حول قضية معينة. ويعتبر هذا الإقناع الجماهيري أهم مرحلة في بناء الرأي العام والتي يمكن أخذها بعين الاعتبار لتحقيق مختلف الأهداف. .
ومن أجل حماية وإنشاء “الاقناع الجماهیری” لا بد من اتخاذ تدابير فردية واجتماعية، يجب أن تنفذها الأسرة من جهة والحكومة من جهات مختلفة. وقد تمت مناقشة بعض العوامل الفعالة في هذه المجال بإيجاز و هي:
1 . تبیین الجهود : شرح و تبیین الجهود هو في الواقع التعريف بنقاط القوة والضعف، وتحديد اتجاه وأهداف الأعمال المختلفة. بمعنى آخر، إنه تحليل صحيح للحقائق. وفي هذا السياق، تكمن المشكلة الأساسية في أنه بدلاً من تقديم وتمثيل الحقائق الحقيقية، يحاول الأعداء خلق حقائق زائفة. ولذلك فإن غرض تفسير الجهود هو اكتشاف الحقائق الواقعیة فی المجتمع، والتي يمكن أن تكون بمثابة حاجز قوي أمام واقع الأعداء الزائف. وبيان الجهود يشمل جميع الخطوات التي من شأنها تقريب المجتمع من الحقيقة وإبعاده عن أوهام الأعداء ودعايةهم. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى محاور تشغيلية مثل: “الرد المستمر والمتواصل على الشكوك والغموض في المجتمع”، “السرد المستمر والشفاف لأحداث المجتمع والعالم”، “الشرح الدائم لأحداث المجتمع والعالم” و “تبیین أهداف ونوايا الأعداء بشكل معقول وواضح” و”تعريف المجتمع بأساليب العمليات النفسية والإقناع و کیفیة خلق الخطاب لدى أعداء الثورة” .
2 . التفكير النقدي ومحو الأمية الإعلامية : التفكير النقدي هو طريقة تفكير تعتمد على العقلانية والتحليل والاستدلال. وتتوافق الثقافة الإعلامية مع التفكير النقدي والتحليل والنقد المستمر لوسائل الإعلام لفهم محتواها. وفي هذا السياق يمكن أن نذكر “معرفة تقنيات الإعلان”، و”التعرف على الأخبار المزيفة والكاذبة”، و”فهم كيفية الاستقطاب” والتعرف على “الخطابات المختلفة” في المجتمع، وهو ما يتطلب تعليم أساليب التفكير النقدي لأفراد المجتمع من أجل حمايتهم من مؤامرات الأعداء. ومن أهم عوامل خلق وتطوير هذه المعرفة والتفكير النقدي هو إرساء حريات ذكية لا تجعل المجتمع يتردد في اختيار الحقائق وتعريفه بتنوع الخطابات وكيفية تقييم الحق والتعرف عليه.
3 . تعزيز المعتقدات الوطنية والقيم الدينية : إن دعاية الأعداء على مختلف المستويات تؤدي إلى تقويض عقيدة المجتمع ومعتقداته وقيمه الوطنية والدينية. ومن خلال إضعاف هذه العناصر، يستطيع العدو أن يسيطر بشكل فعال على المجتمع ويؤثر على الرأي العام في الاتجاه الذي يريده. وفي هذا السياق، يمكن التركيز على محاور مثل: “تعزيز ونشر القيم الدينية الأصيلة”، “تعزيز الهوية الوطنية والتاريخية”، “تعزيز الثقة الوطنية بالنفس”، “تنمية التضامن الاجتماعي والتأكيد على القواسم المشتركة العامة”، و”تعزيز وترسيخ الوحدة، و التاکید على “التلاحم الوطني” و”درء الخلافات العرقية والدينية والسياسية” .
4 . دور الإعلاميين ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي : اليوم، أصبح من الواضح للجميع أن دور الناشطين والمستخدمين الإعلاميين، وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، دخل مرحلة مهمة وجوهرية في تشكيل الرأي العام. وعلى الناشطين ومستخدمي هذه المناطق أن يدركوا حجم المسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتقهم في هذا الظرف الحساس والمهم وأن يتخذوا خطوات في هذا المجال بإيمان قوي لتنوير الرأي العام للمجتمع. وفي هذا السياق يمكن أن نذكر عدة محاور أساسية وهي: “مراعاة الصدق والشفافية والأخلاقيات المهنية”، و”إنتاج محتوى معقول وجذاب”، و”استخدام أدوات الاتصال الجديدة وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي” و” “المراقبة المستمرة” للشائعات والأخبار الكاذبة و السعي في تنوير المجتمع بشكل مستمر .
و هنا یجب ان نسلط الضوء علی کیفیه تمزیق سلطة الاعداء و اسقاط قناع الوهم و هو في غایة الاهمیة لتعزیز و تقویة الرأي العام لخلق اجواء سلیمة و صحیحة.
و هنا نطرح السؤال المهم و هو کیف و لماذا تم خلق هذا الستار الوهمي القائم على السلطة؟ إن كيفية خلق هذا الستار الوهمي يعتمد على عوامل مختلفة، يمكن ذكر بعضها بإيجاز :
1 . ضعف المعلومات المستمرة : ضعف التفسيرات والمعلومات المستمرة من قبل المراكز الدعائية لأی حکومة على كافة المستويات یعتبر عاملاً مهما في اسقاط الستار الوهمي لسلطة العدو. إن إهمال التصوير الصحيح للقدرات ونقاط القوة والإنجازات وما شابه ذلك في هذا المجال له الأثر الأساسي في خلق ستار الوهم. ولا يقتصر هذا الإهمال على عدم التصوير الصحيح فحسب، بل إنه للأسف أيضاً عدم الكشف عن نقاط ضعف العدو ومؤامراته في الوقت المناسب والضروري، وهو ما أدى إلى اكتساب العدو السلطة الخیالیة وخلق الأوهام حولها .
2 . التاريخ العنيف للهيمنة الغربية : لقد خلق الغرب لنفسه قوة وسلطة لا تقهر بأساليبه الاستعمارية والاستغلالية والإمبريالية. إن تضخيم نقاط القوة والنقاط المفيدة و إخفاء الضعیف وغير المفيدة، وإثارة الخوف والذعر العام، وتضخیم نقاط الضعف في المجتمعات الأخرى غير الغربية، وإنشاء الحكومات التابعة، ليست سوى جزء من طرق خلق سلطة وهیمنة للدول التي هي ضد تقدم المجتمعات في العالم الإسلامي .
3 . توظيف العمليات والحرب النفسية : أصبحت العمليات النفسية، خاصة في الوضع الراهن، من أهم وظائف إعلام أعداء المقاومة على المستوى العالمي. تحاول الأفلام والألعاب والشبكات الاجتماعية والأقمار الصناعية وغيرها من الأدوات الإعلانية على نطاق واسع تحويل المجتمع العالمي عن الحقائق القائمة. واليوم، يعرف العالم أجمع ما يحدث في غزة على سبيل المثال، لكن العديد من وسائل الإعلام العالمية تغمض أعينها عن هذه الأحداث اللاإنسانية، وتحاول تقديم صورة مختصرة عن القسوة التي تحدث و عن العمليات الوحشية التي يقوم بها النظام المحتل للاراضي الفلسطينیة .
4 . إبراز وتمثيل التقدم الكبير : أحد أسباب خلق وهم سلطة العدو هو التقدم المادي الكبير. تخلق هذه التطورات نوعاً من اليوتوبيا الزائفة التي تُنسى فيها الطبيعة والأخلاق والدين وتعتبر السلطة المادية سمتها الأساسية. ومن الواضح أنه بسبب حاجة الإنسان الدائمة إلى الامور المادية، فإن هذا الستار يزداد سمكا يوما بعد يوم، ويتعمق وهم قدرة الظلم و الاستبداد .